بني ملال: [عين أسردون] منتج سياحي يجمع بين سحر الطبيعة وعراقة التاريخ
بني ملال: [عين أسردون] منتج سياحي يجمع بين سحر الطبيعة وعراقة التاريخ
قال عنها الشعراء «عين أسردون الباهية من تحت الجبال جارية»
«عين أسردون الباهية شربني من ماك *** من تحت الجبال جارية سبحان من صفاك *
خلقك الله الودود وزينك بالورود *** الله لكريم الموجود لبني ملال ملاك اهداك».
أبيات شعرية جادت بها قريحة الحاج حمادي ملوك في وصف عين أسردون، ولحنها الشاعر المرحوم معتام شرود، ولقنها للتلاميذ لحنا غنائيا جميلا في المدرسة الابتدائية في نهاية خمسينيات القرن الماضي.
لا منتجع بديل لساكنة بني ملال والنواحي عن عين أسردون. المتنفس الوحيد الذي يقصده السكان، ويحاولون من خلاله كسر هموم حياتهم. تقع شلالات عين أسردون في المنطقة السهلية التي تتمدد فيها مدينة بني ملال، حيث تنساب المياه نزولا على شكل شلالات، وتشكل منظرا بديعا، خصوصا أن الخضرة تحيط بالمكان، ومع تدفق مياه الشلالات يصبح الطقس منعشا في الصيف، ومعتدلا في الشتاء.
شلال عين أسردون تلامسه الأيدي، وتنتعش الأجساد ببرودة مائه الصافي الزلال، المتدفق من بين ثلاث صخور بلورية في أسفل أحد جبال الأطلس المتوسط، المطلة على مدينة بني ملال. تنساب مياه العين دون انقطاع، هنا يتساءل المرء عن مصدر الماء، ولماذا هو بارد حتى في عز فصل الصيف، الذي ترتفع خلاله الحرارة بشكل كبير؟.
حين تصل إلى أحضان منتجع عين أسردون القائم على ربوة صغيرة، تقع العين على منظر في الأسفل، يبدو كالعروس المنتشية بنياشين زفافها وتحيط بها حدائق ساحرة زينها تنوع الزهور والورود والأشجار والنباتات الطبيعية، في شكل لا يملك الناظر سوى أن يفغر فاهه دهشة وإعجابا.
تنفرد عين أسردون بأسرار لا يستطيع المرء سبر أغوارها، عندما يستفسر عن عدم نضوب ينابيع العين منذ وجدت، عرفت وتعرف سنوات جفاف متتالية، إنه سحر الألغاز التي يستمتع بحلها عشاق الطبيعة وخضرتها. حول الشلال دائما هناك العشرات من الزوار الذين يحبون تخليد هذه الذكرى بكثير من الصور. إن زيارة هذا المكان لا بد أن تكون حدثا حقيقيا في حياة عشاق الطبيعة، لذلك تتكفل الصور بتأريخ هذه اللحظات.
في قمة العين، توجد بناية تاريخية، يسميها الملاليون «قصر عين أسردون»، يقف القصر حاليا شامخا ومستحضرا ذكريات من عمق التاريخ، إذ إن هذا المكان يعد المرحلة الموالية للمشاهدة والاستمتاع بعد زيارة عين أسردون. عشرات السياح يقفون مشدودي البصر، وهم يتأملون منظر هذا الفضاء المثير.
فضاء عين أسردون ينبغي أن يصنف ضمن الثرات الإنساني
يرى الإعلامي محمد باهي، أن المدار السياحي لعين أسردون يبقى الوجهة والمكان المفضل لدى الزوار والسياح داخل المغرب والخارج، باعتباره نقطة جذب واستقطاب، بتموقعه داخل بنية تضاريسية امتدادها الجغرافي المطل على مدينة بني ملال ومجالها الطبيعي الجذاب، حيث شلالات المياه المغذية والسواقي المنسابة بين الأغراس والأشجار، تمنح الفضاء جاذبية وتستهوي آلاف الزوار على امتداد فصول السنة الأربعة. ويشكل المدار السياحي لعين أسردون على امتداد التاريخ دلالة رمزية وحمولة ثقافية وحضارية للموروث الثقافي ومخزونه لا ينضب، حيث يجد الزائر لمدينة بني ملال نفسه في وضعية انجذاب وانبهار، لزيارة الفضاء والاستمتاع بعوالمه. ويوفر المدار السياحي فرصة للزوار من مختلف الجنسيات قصد التعارف والتلاقح الثقافي وتمازج الحضارات.
الإعلامي محمد باهي أشار أيضا، إلى كون مدار عين أسردون السياحي، ينبغي أن يصنف ضمن الثرات الإنساني، وتمنح له الأهمية البالغة والالتفاتة اللازمة من قبل الجهات الوصية، بالنظر إلى كونه أيقومة وجوهرة الأطلس، وذاكرة تاريخية وثقافية لجهة بني ملال خنيفرة.
تشكل عين أسردون، الواقعة شرق مدينة بني ملال بين الأطلس المتوسط وسهل تادلة، منتجعا سياحيا فريدا يجمع بين سحر الطبيعة وعراقة التاريخ. ويتميز هذا المنتجع، الذي تم تصنيفه تراثا وطنيا سنة 1947، بشلالات ارتفاعها يفوق المترين، وحدائق تاريخية ساحرة مصممة على شاكلة تلك الموجودة بمدن الأندلس، فضلا عن بساتين شاسعة تضم أشجار التين والزيتون والرمان والبرقوق، تخترقها مجموعة من السواقي.
ويرى المهتمون بتراث بالمنطقة أن عين أسردون جملة مركبة من كلمة عربية «عين» وأخرى أمازيغية «أسردون»، التي تعني البغل بالعربية، حيث كانت محل صراع بين قبائل عربية وقبائل أمازيغية إلى فترات تاريخية قريبة، مبرزين أن هذا المنبع يعتبر أساس الشرب وسقي أراضي أولاد أضريد وامغيلة وأولاد سعيد وأولاد عياد.
وأوضحوا أن مياه العين لا تأتي من جيب مائي محفوظ في أعماق الأطلس، وإنما تتصل بقناة عبر الأطلس بوادي العبيد، الذي تنجرف إليه التربة من ضفتيه والسفوح المجاورة، مما يتسبب في تعكر المياه، خاصة في فصل الشتاء.
ليست هناك تعليقات