لماذا صمتت أمريكا عن التطهير العرقي لمسلمي بورما؟ شعب تعرض لأبشع جرائم الإبادة والقتل والتهجير

يباد مسلمو بورما كما تباد الطفيليات في الحقول الزراعية، بتحريض من الدولة البورمية وسلطاتها، وتحت تواطؤ العالم. في ظل استمرار اضطهادهم، لم يجد ملسمو بورما، الملقبون بالروهينجا من ملاذ سوى الخنوع للموت، أو الفرار إلى دول الجوار، التي تعيدهم بدورها إلى قدرهم المحتوم، في خرق سافر لكل المواثيق الدولية والكونية لحقوق الإنسان، وحقوق المعتقد الديني. وقد طالت عذابات مسلمي بورما حتى بات من سابع المستحيلات أن تجد لها طريقا إلى النهاية سوى الموت لكونه الوحيد القادر على تخليص البورميين المسلمين من الاضطهاد الذي تعرضوا له ولا يزالون، في ظل صمت العالم وغضه الطرف عما يقع لأكثر أقلية عرقية مضطهدة في أصقاع الأرض وبقاعها.

كان صيف 2012 إيذانا باندلاع حرب الإبادة والتطهير العرقي التي قادها البوذيون، بدعم من السلطات الحاكمة ببورما، ضد الروهينجا، وهي أقلية عرقية لا تتعدى نسبتها 4 بالمائة من الساكنة البورمية، بدعوى أن الروهينجا «مواطنون من الدرجة الثالثة»، لا يتوفرون على بطاقة تثبت وجودهم منذ سنوات طوال. وقد عملت السلطات البورمية، مؤخرا، على سحب بطائق الهوية منهم تمهيدا لتطهير أكبر.
ومع عجز مسلمي الروهينجا عن إثبات وجودهم بالدولة التي كانت تعيش تحت حكم المسلمين، لمدة امتدت إلى حوالي 350 سنة، وعرفت تعاقب حوالي 48 حاكما مسلما، فقد جردتهم السلطات من كل حقوقهم المدنية والاجتماعية والسياسية. والأنكى من ذلك أنها جردتهم حق العيش، وحرية المعتقد الديني. كما صادرت كل ممتلكاتهم المادية والمعنوية، وهي الآن في طور مصادرة ما تبقى من حقهم في «الحياة».

بوادر الأزمة
بعد حصولها على الاستقلال من طرف بريطانيا، قررت سلطات بورما تطهير البلاد من المسلمين مخافة تطور نفوذهم وتجذره في هرم الدولة وسلطاتها ومنافذ القرار بها. وقد بررت هذا القرار بأنهم ليسوا مواطنين بورميين أصليين. وبغية إضعافهم عملت بورما البوذية على انتهاك حقوقهم وسلبهم أبسطها، فصادرت حقوقهم السياسية وحرياتهم الدينية، فلم يعد يحق لهم، على سبيل المثال، الدراسة في المدارس والجامعات الحكومية، أو إنجاب أكثر من طفلين. وحسب إحصائيات، يصل عدد الأطفال غير المسجلين في لوائح السلطات 60 ألف طفل، لأنه إذا عرفت الدولة بأمرهم ستعمل على فرض نظام جباية وتغريم الوالدين.
والمعاناة التي يعيشها الروهينجا في شقها الاقتصادي لا تقل هي الأخرى سوءا وقتامة عن الوضعية الحقوقية والاجتماعية، ذلك أن الحكومة البورمية تفرض على المسلمين تسليمها نسبة كبيرة من محصول الأرز الذي يعتبر الغذاء الرئيسي للسكان، فضلا عن مصادرة أراضيهم وحرق محاصيلها، وتشجيع استيطان البوذيين بقراهم وأماكن وجودهم قصد اضطهادهم وتضييق الخناق عليهم، تمهيدا لإبادتهم وطردهم من وطنهم.
أما على المستوى السياسي، فقد وضعت حكومة بورما عوائق عديدة أمام مشاركة الأقلية المسلمة في الحياة السياسية، كان أبرزها القانون الصادر عام 1983، الذي لا يمنح الجنسية البورمية إلا لمن يُثبت أن أسرته عاشت في ميانمار قبل عام 1844، وهو العام الذي اندلعت فيه الحرب الإنجليزية البورمية الأولى. وقد تسبب هذا القانون في حرمان المسلمين، الذين لم يتمكنوا من تقديم هذه الوثائق، من حق المواطنة الكاملة وما يترتب عنها من حقوق سياسية.

وتستمر المعاناة
اضطهاد الروهينجا لم يقتصر على حرمانهم من أبسط حقوقهم السياسية والمدنية والاجتماعية والاقتصادية، بل تعداه إلى أبشع وأفظع من ذلك، حيث اندلعت حرب الإبادة والقتل والتهجير القسري والحرق والاغتصاب. هذه الحرب المستعرة التي يقودها بوذيو بورما، بتشجيع من السلطات، راح ضحيتها عشرات الآلاف من الروهينجا، خصوصا في إقليم أراكان، إلى جانب مئات حالات اغتصاب مسلمات الروهينجا ومئات الآلاف من المشردين واللاجئين الذين أحرقت قراهم وصودرت ممتلكاتهم.
أمام هذا القمع وهاته المجازر قرر الروهينجا البحث عن حياة أفضل في دول الجوار، فركبوا قوارب الموت بحثا عن أماكن أكثر أمنا وأمانا، لكنهم وجدوا أنفسهم ضحية لتجار البشر، الذين استعبدوهم وباعوهم كعبيد في سوق للنخاسة. كما قتلوا بعضهم واغتصبوا نساءهم، وشردوا الأطفال، فماتت مجموعة كبيرة منهم جراء الإسهال وارتفاع درجات الحرارة. فيما الذين فروا من قبضة تجار البشر، وجدوا أنفسهم ضحية دول الجوار، التي طردتهم وأعادت قواربهم صوب وجهات أخرى، حيث رفضت كل من إندونيسيا وماليزيا وتايلاند القوارب التي تحمل جحافل الروهينجا الفارين من جحيم الدولة والبوذيين.

منظمات حقوقية
مكتوفة الأيدي
ظل العالم يتفرج في صمت على حرب الإبادة والتطهير العرقي، التي يتعرض لها الروهينجا. إذ اكتفت الكثير من الدول الغربية بعبارات الاستنكار والتنديد بما يحصل لمسلمي بورما. فيما أصدرت منظمات حقوق الإنسان تقارير تكشف عمق التطهير العرقي وحرب الإبادة، وكذا القتل الوحشي والتهجير القسري والاغتصاب، وكل التصرفات اللاإنسانية التي تشن ضد أقلية مسلمة. وكشف تقرير لمنظمة «هيومن رايتس ووتش» تواطؤ نظام هذه الدولة الآسيوية مع عصابات البوذيين في شنّ عمليات التطهير العرقي والقتل والحشي والإبادة الجماعية والتهجير القسري واغتصاب الفتيات المسلمات. فيما صنف تقرير للأمم المتحدة مسلمي الروهينجا بأنهم الأقلية الأكثر تعرضا للاضطهاد في العالم. ووقف التقرير الأممي عند أهم الحقائق التي يغض العالم الطرف عنها، خصوصا تلك المتعلقة بإحراق عدد كبير من قرى المسلمين. ورصد التقرير عمليات الحرق عبر الأقمار الصناعية. وكشف التقرير ذاته أن الحكومة المركزية لم تتحرك بأي شكل لمعاقبة المسؤولين عن الانتهاكات أو لوقف التطهير العرقي بحق المسلمين المهجرين قسرا، و هوما يكشف تواطؤ الدولة على الروهينجا. وقد أماطت المنظمة ذاتها اللثام عن أربعة مواقع لمقابر جماعية في ولاية أراكان المسلمة، قالت إن السلطات أقامتها لطمس معالم الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت في حق الروهينجا.

ليست هناك تعليقات